على الرغم من مرور 33 عامًا على اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987 فإن ذكرياتها وتفاصيلها ما زالت حاضرة بأذهان كل من عاشها صانعًا لأحداثها أو مشاهدًا لها ومعايشًا لتفاصيلها بحلوها ومرها.
وتتوالى صور الأحداث اليومية التي عايشها الفلسطيني أمام ذاكرته التي نسيت وتناست كثيرًا من تفاصيل الحياة سوى تلك الأحداث التي ارتبطت بانتفاضة الحجارة، التي ألهبت القلوب والمشاعر والضمائر في آن واحد.
ويجد كثير ممن عايش الانتفاضة من ذكراها السنوية مناسبة للعودة إلى أمجاده أو أمجاد من عايشهم، للافتخار بالبطولات وللوقوف على أطلال ما حصل بين أطفال الحجارة الذين كان جزء منهم في الماضي، أو رجال المقاومة والتي عرفت بتلك الفترة باسم القوات الضاربة.
الناقد الاجتماعي والحكواتي حمزة العورتاني يرى أن انتفاضة الحجارة تتعدى كونها حدثًا وطنيًّا مفصليًّا في القضية الفلسطينية إلى كونها أحداثًا رسمت معالم كثير من العلاقات الاجتماعية وأخرى وطنية وترك الأثر الكبير في طبيعة فهم الحب الحقيق للوطن والقضية.
وبحسب العورتاني، فإن رائحة الغاز المسيل للدموع وأصوات القنابل الصوتية ومشهد الجيبات المكشوفة ومشهد النساء التي تحمل في أطراف ثيابهن الحجارة، والأخريات اللواتي يحضرن الماء وسندويتشات الزعتر للمنتفضين حاضرة في الأذهان والقلوب.
ولا يمكن لكل من عايش تفاصيل الانتفاضة، حيث منع التجول وسياسة تكسير العظام، وتصنيع المولوتوف، وتخييط الأعلام الفلسطينية التي كانت في تلك الفترة جريمة يعاقب عليها الفلسطيني وتهمة لا تغتفر بالنسبة للاحتلال.
ويختم الحكواتي العورتاني: قد تكون لنا أحداث انتفاضة الحجارة نحن كجيل الثلاثينات والأربعينات أحداث عابرة ولكنها مفصلية لتلك الأجيال التي عايشتها حتى باتت تلك التفاصيل صالحة لأن تكون مادة زخمة لمخرج تلفزيوني أو حكواتي أو حتى لجد يجمع من حوله أحفاده.
الباحث الاجتماعي والكاتب عبد السلام عواد قال هو الآخر لـ"فلسطين": انتفاضة الحجارة شكلت مثالًا جميلًا للتظافر الوطني والمجتمعي، ومناسبة لتحقيق كثير من ملامح الترابط.
وعرج عواد على العديد من أشكال التضمن والتكافل والتي وإن كان ظاهرها اجتماعي إلا أنها تحمل في طياتها معاني وطنية بامتياز.
ويتابع:"كثير من الأسر فتحت أبوابها لإيواء ملقي الحجارة، وساعدتهم في التخفي والتمويه إلى درجة أن بعض الأمهات اضطرت إلى أن تجعل بعض أطفال الحجارة ينامون في حجرها وتتظاهر بأنه ابنها في سبيل عدم اعتقاله من الجنود".
وتابع عواد:"النساء وعلاوة على مشاركتهن المباشرة في المواجهات كن يلعبن دورًا مهمًا في الانتفاضة، فخياطة الأعلام وتجهيز ثياب الملثمين، وإخفاؤها، وتجهيز الزجاجات الفارغة والحجارة كانت مهمة أغلب من يقمن بها النساء".
وبحسب عواد أيضًا نظام منع التجول الذي انتهجه الاحتلال آنذاك عمق التكافل الاجتماعي حيث كان يسارع سكان الحي الواحد والقرية الواحدة على تقديم كل ما يستطيعونه لكل من يحتاج المساعدة ابتداء بالخبز وانتهاء بأطباق الطعام المتوفرة".
وختم عواد بالقول:"انتفاضة الحجارة بأحداثها ودروسها لا يمكن أن تنتهي مع مرور السنوات بل ستبقى حاضرة في الموروث الاجتماعي والوطني، ويجب أن تدرس في كل المحافل والمؤسسات، فهي مثال عظيم في التكافل الوطني المتمثل بالحجارة والاجتماعي المتمثل بالخبز".